الزميل هشام شوقي يرقد الآن في معهد ناصر، يتألم بصمت، ويعاني من كسر موجع يحتاج إلى عملية كبرى، ولكن حالته الصحية لا تحتمل بنجًا كليًا لإجرائها. هكذا سيعود إلى منزله محمّلًا بالوجع، ويخضع للعلاج المنزلي، في انتظار أن يلتئم الكسر دون تدخل جراحي.. والتئام كهذا بطيء، ومرهق، ومؤلم إلى حد يفتت الروح قبل الجسد.
يا الله.. ضمور عضلات، وكسر، ورجل منفصل يقف وحيدًا في هذه الحياة. رجل طريح الفراش، يقاوم الأيام بصبر وهدوء، اقترحنا إلحاقه بإحدى دور الرعاية، لكنه رفض في كبرياء موجوع، مفضلًا أن يبقى في بيته، بين جدران يعرفها جيدًا، حتى وإن كانت تضيق عليه كل ليلة كصدر مثقل بالحسرة.
الحالة معقدة، وتحتاج إلى متخصصين على أعلى مستوى في العظام والضمور، تحتاج إلى دراسة متأنية، وصبر يشبه الصبر على البلاء.
الأمر لم يعد مجرد حاجة للعلاج في مستشفيات القوات المسلحة، أو حتى التفكير في السفر للخارج. هشام اليوم يحتاج إلى معجزة، وقبل أن تأتي المعجزة، يحتاج إلى بشر يطرقون بابه دون مصلحة، يرفعون معنوياته، ويشعرونه أنه ليس وحيدًا.
وسط هذا المشهد القاتم، ظهرت نورًا لا يشبه سوى لطف الله في عباده. سوزان عاطف، الزميلة النقية التي لم أقابلها يومًا، تطوعت دون أن تطلب شكرًا، وتحركت كأن ألف رجل يسندونها. تصول وتجول من أجل زميل يعيش وحده.. وهذه هي الزمالة حين تكون على حقيقتها.
وانضمت الزميلة الخلوقة محاسن السوسني مع كوكبة من أصحاب القلوب الرحيمة، ومعها الزميلة العزيزة وفاء، زارنه هشام في معهد ناصر، فتحركاتهم لم تكن واجبًا مهنيًا.. بل كانت تجليًا للنبل الإنساني.
وقبل الجميع كان عمنا أبو السعود محمد أول صوت أخبرنا بالحالة.
هل تتخيلوا أن أول من حدّثني عن أزمة هشام وقال لي: “هناك حالة أصعب مني”.. هو سيد الحرانى؟
يا الله.. ما أعجب هذه الدنيا.. مريض يخشى على حال مريض آخر أكثر من خشيته على نفسه.
أقسم بالله.. لسنا نحن الأصحاء، ما دمنا نمر على أوجاع غيرنا كأنها لا تخصنا.
لقد انتزعتنا الحياة من إنسانيتنا، وأخذتنا مشاغلها لنصبح آلات تتحرك بلا مشاعر، بلا قيم. غاب النبل، وتراجع السؤال، وصرنا نكتب أسماءنا بشغف، ولا نكتب رسالة اطمئنان لزميل يتألم.
ليتنا نجد علاجًا لقلوبنا، ونضغط بأصابع باردة رقم هاتف لنسأل عن مريض أو عاجز أو مسن.
انتبهوا.. نحن جميعًا — وأولكم أنا — نعاني نقصًا فادحًا في مشاعرنا النبيل
صموئيل العشاي


