وقفت أمام شباك البنك، والشيك يرتعش بين أصابعي كورقة خريف عاصفة. خمسة ملايين جنيه – المبلغ الذي يمثل عشرين عاماً من عملي في بناء قناة “النور الفضائية” من الصفر.
“آسف يا أستاذ خالد، الشيك مرتد… لا يوجد رصيد كافٍ.”
سقطت الكلمات على رأسي كصاعقة. نظرت إلى الموظف وكأنه يتحدث بلغة أخرى. كيف؟ لقد سلمت كل شيء: العقود موقعة، الأصول منقولة، حتى مفاتيح الاستوديوهات سلمتها بيدي.
عدت إلى البيت محطماً. زوجتي فاطمة نظرت إلي بعينين مليئتين بالقلق.
“ماذا حدث يا خالد؟ وجهك شاحب.”
أخبرتها كل شيء. صمتت طويلاً ثم قالت: “الله يعين… ولكن لن نستسلم.”
بدأت رحلة البحث عن العدالة. أولاً توجهت إلى محامٍ، لكنه أخبرني أن القضية ستأخذ سنوات. ثم حاولت الوساطة عبر أصدقاء مشتركين، لكن أحمد المشتري كان يتهرب من كل اتصال.
أسابيع مرت وأنا أتنقل بين المحاكم والمحامين ومراكز الشرطة. كل ليلة أعود منهكاً، أشاهد القناة التي كانت ملكي وهي تبث برامجها، وقلبي ينزف.
في إحدى الليالي، قررت أن أواجه أحمد وجهاً لوجه. وقفت أمام بيته في المعادي، منزل فخم بحديقة واسعة. طرقت الجرس بقوة.
خرج إلي بوجه متجهم: “ماذا تريد يا خالد؟”
“أريد حقي يا أحمد. المبلغ كاملاً.”
“ادخل، نتحدث في الداخل.”
جلسنا في صالة مفروشة بأثاث إيطالي فاخر. نظر إلي بعينين متعبتين وقال:
“اسمع يا خالد، أنا لم أكن أنوي خداعك. ولكن في اللحظة الأخيرة، اضطررت لسحب المبلغ من الحساب. ابني كان بحاجة لعملية عاجلة في ألمانيا، والمبلغ كان كل ما أملك.”
صمت برهة ثم أضاف: “أعرف أن هذا لا يبرر ما حدث. لكنني الآن استطيع أن أعطيك المبلغ كاملاً نقداً.”
نهض وذهب إلى خزانة كبيرة، أخرج منها حقيبة جلدية سوداء. فتحها أمامي… كانت مليئة بالأوراق النقدية.
“خمسة ملايين جنيه، عدها إذا شئت.”
نظرت إليه طويلاً. رأيت في عينيه صدق الندم، ورأيت رجلاً مثلي يحب عائلته ويضحي من أجلها.
“لا حاجة للعد يا أحمد… ولكن في المرة القادمة، كن صادقاً من البداية.”
“أعدك بذلك.”
حملت الحقيبة وخرجت من بيته. في الطريق إلى البيت، تذكرت كلمات أبي: “يا بني، الحياة مليئة بالمنعطفات، والصبر مفتاح كل باب مغلق.”
وصلت إلى البيت وفاطمة تنتظرني بقلق. عندما رأت الحقيبة، ابتسمت ابتسامة عريضة.
“الحمد لله… عرفت أن الله لن يضيع حق أحد.”
فتحنا الحقيبة معاً، وعددنا المبلغ. كان كاملاً، كل قرش في مكانه.
تلك الليلة، وأنا أضع رأسي على الوسادة، أدركت أن أحياناً تكون المحن اختباراً لصبرنا وإيماننا. وأن وراء كل محنة حكمة، وخلف كل صبر فرج قريب.
الشيك الذي كان بدون رصيد علمني أن الحياة أحياناً تختبرنا بطرق غريبة، ولكن في النهاية، الحق لا يضيع أبدا
